الاشعاع النووي:
ان كلمة اشعاع ويقصد بها عادة الاشعاع النووي او الاشعاع المؤين ما هو الا طاقة او جسيمات تتحرر من نواة الذرة نتيجة لحالة من عدم الاستقرار تكون فيها النواة ، وتسمى المادة التي تكون انوية ذراتها غير مستقرة مادة مشعة. ان الطاقة المتحررة او ما يسمي بأشعة جاما وهي احد اشكال الاشعاع الكهرومغناطيسي الذي يشمل بالاضافة اليها امواج الرادار والراديو والاشعة تحت الحمراء(الحرارة) والضوء المرئي ( الاحمر والبرتقالي والاصفر والاخضر والازرق والبنفسجي) والاشعة فوق البنفسجية والاشعة السينية. وكل هذه الانواع من الاشعة تحيط بنا وتغمرنا وتلتصق بأجسامنا وتخترقنا جيئة وذهابا كما لو كنا الواحا من الزجاج او غرابيل، فلا تأبه لوجودنا ولا تتأثر بنا وإن كنا نتأثر بها ونحتاج اليها حاجة ماسة فمن منا يستطيع تخيل الحياة بدون الضوء او الدفء. اما الجسيمات التي تنطلق من الانوية غير المستقرة فهي جسيمات الفا وبيتا والنيوترونات وهي ذات طاقة عالية وان اختلفت طاقاتها وتفاوتت قدراتها على اختراق المواد.
ان المواد المشعة او العناصر المشعة موجودة في الطبيعة منذ بدء الخليقة فهي موجودة في اجسامنا وغذائنا والماء الذي نشربه والهواء الذي نستنشقه. فعظامنا تحوي البولونيوم والراديوم المشعين، وعضلاتنا تحوي الكربون والبوتاسيوم المشعين، وهناك غازات نبيلة وهيدروجين ثلاثي ( تريتيوم) وهي جميعا مشعة موجودة في رئة أي منّا، كما نتعرض لشواظٍ من الاشعة الكونية ونستنشق غاز الرادون المشع بشكل دائم. كما ان العديد منا يعيش في أجواء مليئة بالمواد المشعة اذا كان يعمل في اماكن استخراج النفط او الفوسفات او ذهب للاستجمام في الحمامات المعدنية ، واذا كان من محبي السفر بالطائرة فهذا يضاعف كمية الاشعة التي يتعرض لها.
ان كل المواد المشعة التي ذكرت آنفا هي مواد مشعة طبيعية وجدت منذ بدء الخليقة، غير انه تم تصنيع اجهزة تصدر اشعة كتلك التي تستخدم في التصوير الاشعاعي الطبي والصناعي، كما انه تم تصنيع العديد من المواد المشعة وذلك بتحويل مواد مستقرة الى مواد ذات انوية غير مستقرة وذلك من خلال التفاعلات النووية بحيث تنتج مادة مشعة يمكن اشتخدامها لاغراض محددة مثل الكوبلت المشع المستخدم في وحدات العلاج الاشعاعي للسرطان والذي ينتج من خلال قذف مادة النيكل غير المشعة بالنيوترونات فينتج الكوبلت المشع، واليود المشع الذي يستخدم في تشخيص وعلاج امراض الغدة الدرقية والعديد من المواد الاخرى التي تستخدم في تشخيص وعلاج العديد من الامراض.
المفاعلات النووية:
ان المفاعلات النووية التي تستخدم لانتاج الطاقة او لاغراض البحث العلمي، تعتبر من اكبر مصادر انتاج المواد المشعة على الاطلاق، حيث ان انشطار أنوية ذرات اليورانيوم الموجود في قلب المفاعل يؤدي الى انتاج ما يزيد على مئتي مادة مشعة وهذه المواد تختلف فترة فعاليتها الاشعاعية اختلافا كبيرا، غير ان اغلبها سرعان ما يتحول الى مواد غير مشعة بواسطة عملية الانحلال الاشعاعي وتبقى في الغالب داخل حافظات الوقود الى ان تتم معالجتها في مواقع مناسبة ولايسمح لها بالخروج الى البيئة الا النزر اليسير منها.
لقد ادى اكتشاف الاشعاع المؤين واستخدامه الى فوائد جمة في الطب والصناعة والزراعة والتعليم، غير ان العديد من الناس لا يزال يتملكهم الرعب وينتابهم الفزع عند سماع كلمة إشعاع وذلك لقلة معرفتهم في هذا الموضوع مما يؤدي الى التقييم الخاطئ لمنافع الاشعاع ومخاطره، وقد كان لانفجار الوحدة الرابعة من مفاعل تشرنوبل عام 1986أثرا نفسيا واجتماعيا سيئا خاصة مع المساهة الاعلامية في تضخيم الحادث وما كان يتوقع منه وقت حدوثه، الا ان الاخطار الصحية والبيئية كانت منخفضة جدا. ان مخاوف البعض قد يكون لها ما يبررها، غير انه ونتيجة للمعرفة المتدنية لدى الكثيرين او وجود المعرفة غير الكافية للاجابة عن كافة الاسئلة المتعلقة بالاشعاع، حتى لدى العديد من المختصين، يؤدي الى مخاوف غير صحيحة.
ان خاصية الاشعاع التي تمتاز بها المادة هي صفة متعلقة بنواة الذرة فقط، أما الالكترونات، وهي جسيمات ضئيلة الكتلة مقارنة بالنواة، وتحمل الشحنة السالبة وتدور حول النواة، فهي التي تحدد السلوك الكيماوي للمادة ولا علاقة مطلقا لها بالفعالية الاشعاعية. تحوي النواة البروتونات موجبة الشحنة والنيوترونات متعادلة الشحنة وكتلتيهما متقاربتان وكتلة كل منهما تقارب كتلة 2000الكترون. وفي الذرة المتعادلة يتساوى عدد البروتونات وعدد الالكترونات اما اذا زاد عدد احد الانواع عن الآخر فنقول ان الذرة متأينة.
يحدد العنصر من خلال عدد البروتونات الموجودة في نوى ذراته، فالهيدروجين لديه بروتون واحد والاوكسجين ستة عشر بروتونا والهيليوم بروتونان والكربون ستة بروتونات. بازدياد عدد البروتونات تصبح النوى أثقل، فالثوريوم لديه 90 بروتونا واليورانيوم 92، وتسمى العناصر التي لديها أكثر من 92 بروتونا بعناصر ما بعد اليورانيوم او الترانزيورانيك. ان دور النيوترونات مهم جدا في تحديد كون النواه مشعة، فالنوى المستقرة، في الغالب، يكون فيها عدد البروتونات اقل قليلا من عدد النيوترونات وتكون جميعها مرتبطة بشكل قوي بحيث لا تسمح لاي من مكونات النواه بالخروج منها، فتبقى النواه متزنة وهادئة. أما اذا اصبح عدد النيوترونات فوق حد التوازن فيصبح لدى النواة زيادة في الطاقة بحيث لا تستطيع السيطرة على مكوناتها، فتتخلص من هذه الطاقة اما على شكل اشعاع كهرومغناطيسي (أشعة جاما) او تحرير جسيمات من داخلها ( اشعة الفا او بيتا) او الاثنين معا، وهنا نقول ان هذه المادة او الذرة او النواة مشعة.
الاضمحلال الاشعاعي:
ان عملية تحول الذرة غير المستقرة، او النشطة اشعاعيا، الى ذرة مستقرة باشعاعها للطاقة الزائدة تسمى بالانحلال او التحلل او الاضمحلال الاشعاعي. وهذه العملية قد تكون بخطوة واحدة كما في النوى الخفيفة، او بالعديد من الخطوات حيث ان النواه الاساسية وتسمى هنا النوة الام، تنحل الى نواة جديدة ، أو نواة وليدة ، غير مستقرة تقوم بالانحلال بدورها اى نواة وليدة جديدة، وهكذا الى ان تصل العملية الى نواة مستقرة، وتشكل عمليات الانحلال عبر خطوات عدة بسلاسل الانحلال الاشعاعي. ومن اشهر الامثلة على الانحلال عبر سلسلة هو انحلال نواة اليورانيوم التي تحوي 92 بروتونا و146 نيوترونا، وتفقد بروتونين ونيوترونين كرزمة واحدة، وهو المعروف بجسيم الفا، فتصبح النواة الجديدة 90 بروتونا و144 نيوترونا أي نواة الثوريوم، اي ان نواة اليورانيوم اختفت واعطت الحياة لنواة الثوريوم التي تنحل بدورها الى نواة اخرى، والنواة الجديدة تنحل الى نواة اخرى، وبعد اربع عشرة عملية انحلال تختفي نواة اليورانيوم النشطة اشعاعيا وترى النور نواة الرصاص المستقرة. وهكذا نرى ان عملية الانحلال الاشعاعي تساهم في انتاج مواد مشعة في البيئة.
النشاط الاشعاعي:
ان النشاط الاشعاعي الذي تمتاز به المواد المشعة يشير الى مقدرة تلك المواد على الاشعاع، ولكنه لا يعطي اية فكرة كمية عن مقدار الاشعاع الصادر او مقدار الخطر الصحي المتعلق بهذا الاشعاع. لذلك فانه تم تعريف النشاط الاشعاعي لكمية معينه من المادة المشعة بدلالة عدد الانحلالات التي تحصل في العينة في الثانية الواحدة. فإذا كان لدينا انحلالا واحدا في الثانية فيقال ان النشاط الاشعاعي في العينة هو بيكريل واحد، واذا كان عددها 100 انحلال في الثانية فإن النشاط الاشعاعي يكون 100 بيكريل. هذا مع الاشارة الى ان النشاط الاشعاعي او الانحلال الاشعاعي لا علاقة له بحجم المادة او كتلتها او شكلها الكيماوي او حالتها الفيزيائية سوا كانت صلبة او سائلة او غازية، وانما تتعلق بخاصية لنواة المادة ولا يوجد اية قوة خارجية يمكن ان تتدخل فيها سواء زيادة او نقصا او تسريعا او منعا لذلك فهي تسمى عملية تلقائية. لذلك فإن النشاط الاشعاعي لقطعة صغيرة من الكوبلت قد يكون اكبر من الفاعلية الاشعاعية لعدة اطنان من مادة أخرى. فعلى سبيل المثال فإن غراما واحدا من الراديوم-622 تكون فاعليتها الاشعاعية 37 الف مليون بيكريل هذا مع العلم ان غرام الراديوم الواحد فيه حوالي 2700 مليون مليون مليون ذرة وجميع انويتها مشعة. اما الغرام الواحد من اليورانيوم المنضب فنشاطيته الاشعاعية هي 12 الف بيكريل، والغرام الواحد من السيزيوم-137 حوالى 3 مليون مليون بيكريل. اي ان النشاط الاشعاعي لغرام واحد من الراديوم-226 يكافئ النشاط الاشعاعي لحوالي ثلاثة أطنان من اليورانيوم المنضب، و النشاط الاشعاعي لغرام واحد من السيزيوم-137 يكافئ النشاط الاشعاعي لما يقرب من 240 طناً من اليورانيوم المنضب. ويعتمد النشاط الاشعاعي في هذه الحالة على عامل مهم جدا وهو المعدل الزمني للانحلال المعروف بعمر النصف، ففي الامثلة المذكورة اعلاه ، تنحل 12 الف ذرة يورانيوم في الثانية الواحدة من كمية مقدارها 2,5 الف مليون مليون مليون ذرة تؤلف في مجملها الغرام الواحد من هذه المادة، اما الزمن اللازم لانحلال ذرات نصف الغرام فإنه يلزم 4,5 الف مليون سنه بينما يلزم 30 عاما لانحلال نصف ذرات غرام السيزيوم و1600 عاما لانحلال نصف ذرات غرام الراديوم، لذلك سميت الفترات الزمنية 4,5 الف مليون سنه و30 عاما و1600 عاما بعمر النصف لليورانيوم والسيزيوم والراديوم على التوالي. وهذه الفترات الزمنية تمثل ارقاما خاصة ثابتة للعناصر وتتفاوت من عنصر لاخر من ملايين السنين الى اجزاء بسيطة من الثانية غير انها للعنصر الواحد تمثل رقما ثابتا لا يتغير مثل عدد بروتوناته او درجة انصهاره او درجة غليانه وبالتالي فانه يمكننا توقع الفترة التي يبقى فيها العنصر مشعا ويمكن حساب فاعلية الاشعاعية بدقة عالية. ولتوضيح فكرة عمر النصف فإذا كان لدينا عينة فعاليتها الاشعاعية 1000 بيكريل من عنصر ما وكانت فترة عمر النصف له 5 سنوات، فان فاعليتها الاشعاعية تصبح 500 بيكريل بعد 5 سنوات، ثم تصبح 250 بيكريل بعد 5 سنوات اخرى، ثم تصبح 125 بيكريل بعد 5 سنوات اخرى وهكذا دواليك الى ان تصبح الفاعلية صفرا بعد عدة فترات عمر نصف.