بعض أسرار الصراع السعودي القطري
أسئلة كثيرة تدور في عقول الناس وتشغل بالهم: لماذا جاءت نتائج الربيع العربي، بصرف النظر عن محتواه، لمصلحة قوى متخلفة أخرِجت من حركة التاريخ منذ عقود؟
لماذا تلعب دولة متخلفة كالمملكة العربية السعودية دوراً أساسياً في المنطقة، رغم تعفنها كنظام سياسي اجتماعي؟ من منح دولة ضئيلة كقطر هذا الدور الحاسم في القضايا القومية؟ من ألهم الإمارات العربية، الدولة المسالمة الصغيرة والضعيفة، فكرة التدخل الحربي في سماوات بعيدة؟ ما سر الغزل السعودي الإسرائيلي؟ ما دور قوى سياسية تبدو مدنيّة ظاهريّاً، مثل تيار المستقبل في لبنان، في المعركة العسكرية الإقليميّة، وما المطلوب منه لبنانياً في الجانب الميداني تحديداً؟
ما دور مجموعات «القاعدة» والدولة الإسلامية، ومئات التسميات الوهمية والحقيقية، في صناعة معادلات الواقع؟ لماذا يفقد اليسار العربي دوره التاريخي؟ ولماذا أضحى الشعار الديني راية للتجميع والتحشيد يميناً ويساراً على حد سواء؟
هذه الأسئلة الكبيرة ربما تجد أجوبتها في أمثلة وحقائق صغيرة تجري أمامنا، لكننا نهملها ولا نمنحها حقها من التقدير، فتضيع من حساباتنا في فوضى الانشغال بالأسئلة الكبيرة المحيرة والعصيّة على الحل. هذا المقال محاولة للبحث في التفاصيل الصغيرة والمهملة.
حرب المعابر
يعرف الجميع أنّ التناحر السعودي القطري قديم، وقد استفحل أخيراً بسبب تعاظم الدور القطري في رسم السياسة إقليميّاً، وعربيّاً تحديداً. لكنّ الأهداف المشتركة في معركة سوريا، والقوى الدولية الداعمة المشتركة، جمّدت ظهور هذا الخلاف ومنعت تحوله صداماً علنيّاً. سببب خفي، مهمل، كان وراء تصاعد الخلاف المكتوم داخلياً، وتفاقمه، وجعله يطفو على السطح. إنه سبب فنيّ خالص، لا يريد أحد التوقف عنده. لكن تسلسل الأحداث يجبرنا على الوقوف عند هذه النقطة المثيرة المُتجاهلة. لقد شاعت في الإعلام أخيراً أخبار تتحدث عن المعابر، التركية خاصة، وقبلها العراقية، ودورها في صراع المعارضة الداخلي، ثم أثرها في مواقف تركيا والغرب. وفي النهاية استقر الحديث عن المعابر باعتبارها «ممراً» للتسليح والتمويل. ثمّ توقف الأمر أخيراً عند المحطة الحقيقية: من يدفع ومن يقبض؟ هذا الافتضاح المتسلسل والتدريجي ساير مسايرة تامة حلقات الصراع السياسي والعسكري في سوريا، بدءاً من الشعارات الإصلاحية «سلمية سلمية»، وصولاً إلى الانتصارات العسكرية الميدانية الكبرى للمسلحين، ثم نزولاً إلى انحسار الرقعة العسكرية لما يعرف بالمعارضة، انتهاءً بالانقسام الداخلي في «المعارضة» العسكرية، وخروج «الجيش الحر» من المعادلة الأساسية، وسيطرة القوى التكفيرية على الجبهة العسكرية. لماذا نشأ هذا التزامن، صعوداً ونزولاً، بين الصراع على المعابر وتدهور الوضع القتالي لجبهة أعداء النظام السوري؟ ولماذا حدث مثل هذا الأمر على الجبهة الكردية أيضاً؟