عقيدة الشيعه في الله تعالى و في التوحيد و في صفاته تعالى
الفصل الأول الإلهيات
5 - عقيدتنا في الله تعالى
نعتقد إن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شئ ، قديم لم يزل ولا يزال ، هو الأول والآخر ، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير .
ولا يوصف بما توصف به المخلوقات ، فليس هو بجسم ولا صورة ، وليس جوهرا ولا عرضا ، وليس له ثقل أو خفة ، ولا حركة أو سكون ، ولا مكان ولا زمان ، ولا يشار إليه . كما لا ند له ، ولا شبه ، ولا ضد ، ولا صاحبة له ولا ولد ، ولا شريك ، ولم كين له كفوا أحد . لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صور له وجها ويدا وعينا ، أو أنه ينزل إلى السماء الدنيا ، أو أنه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر ، ( أو نحو ذلك ) فإنه بمنزلة الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص ، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق
معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا ( على حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام ) وما أجله من تعبير حكيم ! وما أبعده من مرمى علمي دقيق ! وكذلك يلحق بالكافر من قال إنه يتراءى لخلقه يوم القيامة ، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان ، فإن أمثال هؤلاء المدعين
- ص 37 -
جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الكريم أو الحديث ، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم . فلم يستطيعوا أن يتصرفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز .
6 - عقيدتنا في التوحيد
ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات ، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده ،
كذلك يجب - ثانيا - توحيده في الصفات ، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك ، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية ، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له .
وكذلك يجب - ثالثا - توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه ، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة ، واجبة أو غير واجبة ، في الصلاة وغيرها من العبادات .
ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى ، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان ، لا فرق بينهما .
أما زيارة القبور وإقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلى غير الله تعالى في العبادة ، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية ، غفلة عن حقيقة الحال فيها ، بل هي من نوع التقرب إلى الله
- ص 38 -
تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان في الدين ومواساة الفقير ، فإن عيادة المريض - مثلا - في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى . وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته .
وكذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور ، وإقامة المآتم ، وتشييع الجنائز ، وزيارة الأخوان . أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه وليس هنا موضع إثباته .
والغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض . وليس المقصود منها عبادة الأئمة ، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم ، وتجديد ذكرهم ، وتعظيم شعائر الله فيهم ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) .
فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها ، فإذا جاء الانسان متقربا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته ، استحق الثواب منه ونال جزاءه .
7 - عقيدتنا في صفاته تعالى
ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات ( الجمال والكمال ) ، كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة - هي
- ص 39 -
كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها ، وليس وجودها إلا وجود الذات ، فقدرته من حيث الوجود حياته .
وحياته قدرته ، بل هو قادر من حيث هو حي ، وحي من حيث هو قادر ، لا اثنينية في صفاته ووجودها وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية .
نعم هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها ، لا في حقائقها ووجوداتها ، لأنه لو كانت مختلفة في الوجود وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات للزم تعدد واجب الوجود ولانثلمت الوحدة الحقيقية ، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد .
وأما الصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية وهي القيومية لمخلوقاته وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات .
وأما الصفات السلبية التي تسمى بصفات ( الجلال ) ، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه ، فإن سلب الإمكان لازمة بل معناه سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفة وما إلى ذلك ، بل سلب كل نقص .
ثم إن مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود ، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية ، فترجع الصفات الجلالية ( السلبية ) آخر الأمر إلى صفات الكمالية ( الثبوتية ) .
والله تعالى واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدسة ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد . ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية
- ص 40 -
إلى الصفات السلبية لما عز عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها ، فوقع بما هو أسوأ ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكل نقص وجهة إمكان ، جعلها عين العدم ومحض السلب أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلات الأقلام .
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أن صفاته الثبوتية زائدة على ذاته فقال بتعدد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود ، أو قال بتركيبه تعالى عن ذلك ، قال مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام : ( وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصفه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه جزأه ، ومن جزأه فقد جهله . . . ) .
8 - عقيدتنا بالعدل
ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنه عادل غير ظالم ، فلا يجوز في قضائه ولا يحيف في حكمه ، يثيب المطيعين ، وله أن يجازي العاصين ، ولا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون .
ونعتقد أنه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة ولا يفعل القبيح ، لأنه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح مع
- ص 41 -
فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح ، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه ، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله .
وهو مع كل ذلك حكيم لا بد أن يكون فعله مطابقا للحكمة وعلى حسب النظام الأكمل . فلو كان يفعل الظلم والقبح - تعالى عن ذلك - فإن الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور :
1 - أن يكون جاهلا بالأمر فلا يدري أنه قبيح .
2 - أن يكون عالما به ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه .
3 - أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولكنه محتاج إلى فعله .
4 - أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا .
وكل هذه الصور محال على الله تعالى وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال ، فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم وفعل ما هو قبيح .
غير أن بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح تقدست أسماءه ، فجوز أن يعاقب المطيعين ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين ، وجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه ومع ذلك يعاقبهم على تركه ، وجوز أن يصدر منه الظلم وجور والكذب والخداع وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة وبحجة أنه لا يسأل عما يفعل وهو يسألون .
فرب أمثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة ، ظالم جائر سفيه لاعب كاذب مخادع يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل
- ص 42 -
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . وهذا هو الكفر بعينه . وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : ( وما الله يريد ظلما للعباد )
وقال : ( والله لا يحب الفساد )
وقال : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين )
وقال : ( وما خلفت الجن والإنس إلا ليعبدون ) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة . سبحانك ما خلقت هذا باطلا .
9 - عقيدتنا في التكليف
نعتقد أنه تعالى لا يكلف عباده إلا بعد إقامة الحجة عليهم ، ولا يكلفهم إلا ما يسعهم وما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون ، لأنه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصر في التعليم . أما الجاهل المقصر في معرفة الأحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى ومعاقب على تقصيره ، إذ يجب على كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية .
ونعتقد أنه تعالى لا بد أن يكلف عباده ويسن لهم الشرايع وما فيه صلاحهم وخيرهم ليدلهم على طرق الخير والسعادة الدائمة ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح ، ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم ، وإن علم أنهم لا يطيعونه ، لأن ذلك
لطف ورحمة بعباده وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والآخرة ، ويجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرر والخسران . والله تعالى هو الرحمن الرحيم
- ص 43 -
بنفس ذاته وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته ويستحيل أن ينفك عنه . ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمردين على طاعته غير منقادين إلى أوامره ونواهيه .
الشيخ محمد رضا المظفر