إختلف العلماء والمؤرخون في أول من زار الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي زيارة الإمام السجاد لقبر أبيه بعد خروجه وأهل بيته من الشام، فمن هو الزائر الأول؟ وهل زار الإمام السجاد قبر الإمام الحسين في أربعينيته؟
أقوال نستعرضها في عدة نقاط:
القول الأول في أول من زار الإمام الحسين (عليه السلام): هو عبيد الله بن الحر الجعفي، قاله القاضي التستري في (مجالس المؤمنين)، لكن الحاصل من التحقيق أنه لم يتبين أن عبيد الله بن الحر الجعفي هو أول من زار الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك:
1- لم يعلم وقت ذهابه إلى كربلاء.
2- لم يثبت أن قصائده قالها في كربلاء، بل بعض النصوص دلت أنه قالها في غيرها.
القول الثاني في أول من زار الحسين (عليه السلام): عُقبة بن عمرو السهمي، وذلك عندما قصد كربلاء وزار قبر الحسين (عليه السلام) ورثاه بالأبيات الآتية، وقد صرح فيها أنه مر على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وبكى عليه كثيراً.
روى الشيخ المفيد في المجالس بسنده عن إبراهيم بن داحة [هو إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المعنون في الرجال]، قال: أول شعر رثي به الحسين بن علي (عليهما السلام) قول عقبة بن عمرو السّهمي من بني سهم بن عوف بن غالب:
إذا العين قرت في الحياة و أنتم * تخافون في الدنيا فأظلم نورها
مررت على قبر الحسين بكربلا * ففاض عليه من دموعي غزيرها
وما زلت أبكيه وأرثي لشجوه * ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وبكيت من بعد الحسين عصائباً * أطافت به من جانبيها قبورها
سلام على أهل القبور بكربلا * وقلّ لها مني سلام يزورها
سلام بآصال العشي وبالضحى * تؤديه نكباء الرياح ومورها
ولا برح الوفّاد زوار قبره * يفوح عليهم مسكها و عبيرها
[الأمالي للشيخ المفيد (المجالس): المجلس 38 حديث 9 ص 324، سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 13، وأعيانالشيعة: 1 / 622]
وقال السيد الأمين في (أعيان الشيعة): فأول من رثاه فيما حكاه سبط ابن الجوزي عن السدي؛ عقبة بن عمرو السهمي.
وإذا ثبت أن عقبة هو أول من رثى الإمام الحسين (عليه السلام)، فينتفي القول الأول، ولكن لا يوجد ما يثبت أنه أول من زار الإمام الحسين (عليه السلام).
القول الثالث في أول من زار الحسين (عليه السلام): هو سليمان بن قَتّة العدوي المتوفى 126 هـ بدمشق.
قال السيد في (أعيان الشيعة): وينبغي أن يكون أول من رثاه سليمان بن قتة العدوي التيمي مولى بني تيم بن مرة، وكان منقطعاً إلى بني هاشم، فإنه مرّ بكربلاء بعد قتل الحسين (عليه السلام) بثلاث، فنظر إلى مصارعهم واتكأ على فرس له عربية وأنشأ يقول، وقيل أنها لأبي الرميح الخزاعي، ويمكن كون بعضها لأحدهما وبعضها للآخر واشتبها:
مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلتِ
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة * لقتل حسين والبلاغ اقشعرتِ
وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلتِ
وتسألنا قيس فنعطي فقيرها * وتقتلنا قيس إذا النعل زلتِ
وعند غني قطرة من دمائنا * سنطلبها يوماً بها حيث حلتِ
فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم برغم تخلتِ
وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلتِ
وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمنا ناحت عليه وصلّتِ
[أعيانالشيعة: 1 / 622]
القول الرابع في أول من زار الإمام الحسين (عليه السلام): هو جابر بن عبد الله الأنصاري، فقد دلت الروايات المتعددة وأقوال العلماء المحققين أن أول من زار الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري.
وذكر ذلك عدد من العلماء، منهم:
1- الشيخ المفيد، قال في (مسار الشيعة): وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا ومولانا أبي عبد الله (عليه السلام) من الشام إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حَزام الأنصاري – صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) و(رضي الله تعالى عنه) – من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبد الله (عليه السلام)، فكان أول من زاره من الناس [مسار الشيعة، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد: 7 / 46].
2- الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، ذكر مثل ما ذكره الشيخ المفيد [مصباح المتهجد: 787].
3- العلامة الحلي في كتابه منهاج الصلاح، مثل ما تقدم عن الشيخ المفيد.
4- الكفعمي في المصباح ص 648.
5- الميرزا حسين النوري في كتابه اللؤلؤ والمرجان.
وغيرهم من العلماء..
مجيء جابر إلى كربلاء:
قد ثبت بأكثر من رواية مجيء جابر إلى كربلاء وزيارته له، وهنا نذكر روايتين في هذا الصدد، وهما كما يلي:
1- روى عماد الدين الطبري في كتابه (بشارة المصطفى)، بسنده عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) زَائِرَيْنِ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا وَرَدْنَا كَرْبَلَاءَ دَنَا جَابِرٌ مِنْ شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ائْتَزَرَ بِإِزَارٍ وارْتَدَى بِآخَرَ، ثُمَّ فَتَحَ صُرَّةً فِيهَا سُعْدٌ فَنَثَرَهَا عَلَى بَدَنِهِ، ثُمَّ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْقَبْرِ قَالَ: أَلْمِسْنِيهِ، فَأَلْمَسْتُهُ، فَخَرَّ عَلَى الْقَبْرِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَرَشَشْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الْمَاءِ، فلمّا أَفَاقَ قَالَ: يَا حُسَيْنُ ثَلَاثاً، ثُمَّ قَالَ حَبِيبٌ لَا يُجِيبُ حَبِيبَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّى لَكَ بِالْجَوَابِ وَقَدْ شُحِطَتْ أَوْدَاجُكَ عَلَى أَثْبَاجِكَ وَفُرِّقَ بَيْنَ بَدَنِكَ وَرَأْسِكَ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ خَاتم النَّبِيِّينَ وَابْنُ سَيِّدِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنُ حَلِيفِ التَّقْوَى وَسَلِيلِ الْهُدَى وَخَامِسُ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ وَابْنُ سَيِّدِ النُّقَبَاءِ وَابْنُ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، وَمَا لَكَ لَا تَكُونُ هَكَذَا وَقَدْ غَذَّتْكَ كَفُّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَرُبِّيتَ فِي حَجْرِ الْمُتَّقِينَ وَرَضَعْتَ مِنْ ثَدْيِ الْإِيمَانِ وَفُطِمْتَ بِالْإِسْلَامِ، فَطِبْتَ حَيّاً وَطِبْتَ مَيِّتاً، غَيْرَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ لِفِرَاقِكَ وَلَا شَاكَّةٍ فِي الْخِيَرَةِ لَكَ، فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَخُوكَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا.
ثُمَّ جَالَ بِبَصَرِهِ حَوْلَ الْقَبْرِ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّتهَا الْأَرْوَاحُ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَاءِ الْحُسَيْنِ وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِهِ، [و]أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَجَاهَدْتُمُ الْمُلْحِدِينَ وَعَبَدْتُمُ اللَّهَ حَتَّى أَتَاكُمُ الْيَقِينُ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ [نبياً]، لَقَدْ شَارَكْنَاكُمْ فِيمَا دَخَلْتُمْ فِيهِ.
قَالَ عَطِيَّةُ: فَقُلْتُ لِه: يا جَابِرٍ [وفي نسخة: فقلت لجابر]، وَكَيْفَ وَ لَمْ نَهْبِطْ وَادِياً وَلَمْ نَعْلُ جَبَلًا وَلَمْ نَضْرِبْ بِسَيْفٍ، وَالْقَوْمُ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَ رُؤوسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَأُوتِمَتْ أَوْلَادُهُمْ وَأَرْمَلَتِ أزواجهم [في نسخة: الأزواج]؟ فَقَالَ لِي: يَا عَطِيَّةُ، سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْمٍ أُشْرِكَ فِي عَمَلِهِمْ»، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ نِيَّتِي وَنِيَّةَ أَصْحَابِي عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ (عليه السلام) وَأَصْحَابُهُ... [بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: 125 الحديث 72، بحار الأنوار: 65 / 131 ح 62].
2- ما ذكره السيد ابن طاووس في مصباح الزائر حول زيارة الأربعين:
قَالَ السَّيِّدُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) يَرْوِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَاةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ بِالْيَمِينِ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِـبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
وَ قَالَ عَطَاءٌ: كُنْتُ مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ الْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ، فَلَمَّا وَصَلْنَا الْغَاضِرِيَّةَ اغْتَسَلَ فِي شَرِيعَتِهَا وَلَبِسَ قَمِيصاً كَانَ مَعَهُ طَاهِراً، ثُمَّ قَالَ لِي: أَمَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الطِّيبِ يَا عَطَاءُ؟ قُلْتُ: مَعِي سُعْدٌ، فَجَعَلَ مِنْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ مَشَى حَافِياً حَتَّى وَقَفَ عِنْدَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَكَبَّرَ ثَلَاثاً ثُمَّ خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا آلَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُم... [بحار الأنوار: 98 / 329].
ففي هاتين الروايتين لا يوجد فيهما أي ذكر لمجيء الإمام السجاد وأهل بيته إلى كربلاء.
قال المجلسي: ولعل العلة في استحباب الزيارة في هذا اليوم هو أن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) في مثل هذا اليوم وصل من المدينة إلى قبره الشريف وزاره بالزيارة التي مر ذكرها، فكان أول من زاره من الإنس ظاهراً، فلذلك يستحب التأسي به.
قال الكفعمي (قدس سره): إنما سميت بزيارة الأربعين لأن وقتها يوم العشرين من صفر، وذلك لأربعين يوماً من مقتل الحسين (عليه السلام)، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب النبي (صلى الله عليه وآله) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فكان أول من زاره من الناس، وفي هذا اليوم كان رجوع حرم الحسين (عليه السلام) من الشام إلى المدينة [بحارالأنوار: 98 / 335].
تحياتي لكم