القصة الكاملة لعملية محاولة أغتيال عدي صدام حسين عام 1996
عندما اصدر سلمان شريف الامر باطلاق النار، كان متأكدا من انه سيموت. فمن ذا الذي يحاول اغتيال عدي الابن الاكبر للرئيس العراقي السابق صدام والوريث المتوقع لوالده، من مسافة قصيرة ويتوقع النجاة؟ قال شريف «كنا نعلم ان فرصة عودتنا احياء لا تزيد عن واحد في المائة». كان شريف يتحدث وهو يجلس على الارض متربعا في غرفة تغطيها السجاجيد، ويروي للمرة الأولى لصحيفة اجنبية تفاصيل الهجوم الجريء الذي قاده، قائلا ان «اجراءات الأمن المتشددة جعلت مثل هذه المهمة مستحيلة تقريبا».
ولكن بعد شهور من التخطيط الدقيق، صممت المجموعة، التي تم تجميعها من جماعة مقاومة سرية، على المضي قدما في مهمتها. فخلال قيادة عدي لسيارته الذهبية من طراز بورشه ببطء في شارع مزدحم في واحد من احياء بغداد الراقية، بعد حلول الظلام في 12 ديسمبر (كانون الأول) 1996 فتح مسلحان النار بناء على أوامر شريف من بندقيتيهما من طراز كلاشنيكوف. يقول شريف «كنا على ثقة من اننا قتلناه. لقد اطلقنا 50 رصاصة على السيارة». وفي الواقع، اكتشف فيما بعد، اصابة عدي 17 مرة، واصيب بالشلل وبـ«العجز الجنسي»، كما اشيع وهذا، كما يقول شريف «ضرب خاص من العدالة» نظرا لم عرف به النجل الاكبر لصدام من قسوة في معاملة النساء.
وشريف الذي كان في الـ27 من عمره عندما قاد العملية التى اهتزت لها القيادة العراقية السابقة، لا يمكن لمن يراه الآن ان يتصور انه كان عنصرا نشطا في المقاومة لحكم صدام حسين. فهو يرتدي نظارات سميكة، ويبدو اقرب الى ان يكون مدرسا في مدرسة ابتدائية في الريف من كونه مقاتلا. لكن الرواية التي سردها شريف تلقي نظرة نادرة على كيفية نشاط المقاومة العراقية خلال عهد صدام حسين.
كان شريف يكره النظام واستجاب بسهولة عندما جنده صديق دراسة في بلدة الشطرة في جنوب العراق، في جماعة مقاومة مسلحة. واستمر شريف في دراسته في معهد تقني لمدة عامين. وكان يقضي وقت فراغه في تنظيم خلايا سرية. وعندما تفجرت الانتفاضة الشيعية في اعقاب حرب الخليج 1991، انضم هو وزملاؤه الى القتال، واستولوا على بلدتهم ومنعوا القوات الحكومية من دخولها لمدة ثلاثة اسابيع. وفي النهاية تغلبت عليهم قوات النظام وقبض على شريف في عملية اعتقالات واسعة النطاق. وافرج عنه بعد 18 يوما لعدم كفاية الادلة فهرب الى الاهوار بالقرب من البصرة، حيث شكل مجموعة من مقاتلي المقاومة حركة اطلقوا عليها اسم «15 شعبان» وهو تاريخ انطلاق الانتفاضة الشيعية وقد تعرضوا باستمرار الى مضايقات من جيش صدام، وكان يتحرك بالقوارب من كوخ الى آخر. وعاش شريف، فيما وصفه هو بـ«ظروف لا انسانية» لمدة خمس سنوات، حيث كان يتولى ادارة معسكر سري لحركته في عمق الأهوار.
وفي عام 1996 صعدت حركة «15 شعبان» خططها، فبدلا من محاولة قتل القادة الاقليميين لحزب البعث، والمسؤولين المحليين في عمليات عشوائية، قررت المجموعة استهداف قلب النظام، واكبر القيادات. ويشرح حسين حمزة قائد حركة المقاومة السابقة التي تحولت الى حزب اسلامي سياسي ان الفكرة كانت «اضعاف النظام، واضعاف قواعده وخلق حالة من الفوضى. وأردنا تشجيع الناس على التمرد على الحكومة». وقد تم اختيار شريف لدور هام فقد طلب حمزة منه ان يشرف على خلايا بغداد التابعة للحركة، وانتقل للعاصمة في منتصف عام 1996 لادارة العمليات هناك.
ويقول شريف انه لم يمض وقت طويل قبل ان يسمع عن جولات عدي المنتظمة مساء كل خميس في حي المنصور الراقي بحثا عن الفتيات الجميلات، حيث كان يشتهر باجبار الفتيات على اصطحابه الى واحد من قصوره. وقد اثارته تلك المعلومات وقال «كان الامر يبدو وكأنه فرصة ذهبية». ولذا ظل شريف، ولمدة شهرين، يتجول في الشارع الرئيسي في حي المنصور مساء كل خميس وتبين له انه في حوالي الساعة السابعة من مساء الخميس، كان عدي يتسكع في الشارع الرئيسي في حي المنصور، بعض الاحيان مع حرس شخصي يركبون دراجات نارية وفي بعض الاحيان وحده. وتمكن شريف، بالتركيز على ما يدور حوله وعقد صداقات مع اصحاب المحلات التجارية، من اكتشاف من هم بائعو الرصيف الذين يعملون مرشدين للنظام، ومن هم ضباط المرور الذين هم في الواقع من ضباط الاستخبارات، والمباني التي تضم مكاتب حكومية، ومن هم المارة المنتظمون الذين يتسكعون على الارصفة من رجال الامن. قال شريف انه لم يبلغ أحدا بخطته «الا بعدما تأكدت مائة في المائة انها ممكنة. كان عليّ ان اكون متأكدا تماما من كل التفاصيل لكي اكون صادقاً في عيون قادتي». وفي النهاية كان متأكدا بدرجة سمحت له بالسفر الى الجنوب، والتسلل في الأهوار، وقدم معلوماته الى قيادة الحركة، التي اقتنعت ووافقته على خطته.
كانت الخطوة التالية لشريف هي اختيار ثلاثة شباب لفرقة الاغتيال تحت قيادته «كان يجب ان يتميزوا بالكفاءة بصفة خاصة». ثم استأجر منزلا آمنا في بغداد واشترى سيارة وهرب اسلحة وقنابل من الأهوار الى العاصمة لاستخدامها في محاولة الاغتيال. ويقول شريف انه لم يكن من الصعب اقناع مجنديه بالاشتراك في العملية، بالرغم من حقيقة انها كانت عملية انتحارية. واضاف «كل شخص في العراق كان يكره عدي. وكان أعضاء الفريق في غاية السعادة وقالوا انهم محظوظون لاختيارهم لهذه المهمة وتم اختيار واحد منهم يحمل الاسم الحركي أبو زهرة، لقيادة سيارة الهرب».
شريف، وكنيته «أبو أحمد»، كان من المفترض ان يوفر غطاء للمسلحين، على ان يتولى «أبو صادق» و«أبو ساجد» اطلاق النار على عدي. استأجر عضو في خلية أخرى شقة في احد أحياء بغداد الشيعية، واشترى آخر سيارة ووفر شخص آخر من الأهوار السلاح اللازم لتنفيذ العملية. قال حمزة انهم كانوا يعرفون المنطقة جيدا ويعرفون ايضا الطرق الترابية التي تقود الى نقاط التفتيش على الطريق السريع. وفي اليوم المحدد لتنفيذ العملية حوالي الساعة السابعة مساء كان المكلفون بتنفيذ عملية الاغتيال جالسين في واحد من افضل محلات بيع الآيسكريم في حي المنصور وانظارهم مركزة على الهدف. مرت نصف ساعة ثم نصف ساعة اخرى دون ان يظهر عدي وتوجه افراد المجموعة الى منازلهم.
تكرر ذات الشيء الخميس التالي والذي يليه الى درجة ان شريف شك في ان مخططه قد كشف، إلا انه لم يعتقل. لكنه توصل الى احتمال ان يكون عدي منشغلا بحكم موقعه كرئيس للجنة الأولمبية العراقية في منافسة عالمية لكرة القدم يشارك فيها المنتخب العراقي. وبعد خمسة اسابيع من الانتظار في مقره في الأهوار، ارسل حمزة مبعوثا الى بغداد حاملا رسالة مشفرة ابلغ الخلية فيها بارجاء العملية. لكن مثل هذا التأخير الطويل كان يحمل معه مخاطر كشف المخطط لذا طلب شريف فرصة اخيرة وتم قبول طلبه.
ويبدو ان ما كان يفكر فيه شريف قد حدث بالفعل، فقد لمح حوالي الساعة السابعة من مساء يوم الخميس «سيارة غير عادية» لا يمكن ان يملكها شخص سوى عدي وهي تشق طريقها باتجاهه تحت أضواء اعمدة الشارع دون ان تكون هناك سيارة حراسة مرافقة لها فيما يبدو. ويعتقد شريف ان عدي كان يشعر بالأمان بسبب العدد الكبير من عناصر الأمن في الشوارع.
كان «أبو صادق» متكئا على سيارة المجموعة قبل ان يخرج الحقيبة الرياضية التي كان يخفي بداخلها بندقيتي كلاشنيكوف وخزانتي رصاص وست قنابل يدوية. قفز أبو زهرة الى داخل سيارة المجموعة وقادها الى مسافة بضع ياردات الى منطقة مظلمة. اما شريف، الذي كان مسلحا بمسدس، فقد رافق اثنين من المسلحين الى الموقع الذي اختاره. فوجـئ افراد المجموعة بأن عدي كان لوحده ويقود سيارته ببطء، اذ يبدو ان حرسه الشخصي قد ترجل من السيارة ليبحث عن النساء لعدي. في تلك اللحظة اخرج «أبو صادق» و«أبو ساجد» اسلحتهما من الحقيبة الرياضية وفتحا النار على عدي من مسافة تبعد بضع ياردات فقط. تحطم تماما الزجاج الامامي وزجاج الباب الامامي، وفر أفراد المجموعة بعد ان افرغوا خزائن الرصاص على سيارة عدي باتجاه السيارة التي كان من المفترض ان يهربوا بها، واختفوا بالفعل من المكان بعد العملية التي استغرقت اقل من دقيقة. لم تتعرض المجموعة الى اطلاق نار من أية جهة ولم يتعرضوا الى أي مطاردة.
وصل أفراد المجموعة الى المنزل الذي كان مقررا اختباؤهم داخله وتوجهوا صباح اليوم التالي الى الناصرية على متن حافلة مواصلات ثم استقلوا حافلة اخرى الى منطقة سوق الشيوخ على اطراف الأهوار. وفي منتصف ليل ذلك اليوم عاد أفراد المجموعة الى قاعدتهم ولم يبارح شريف الأهوار الا بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في مارس (آذار) الماضي. يقول شريف انه لم يكن يتوقع ان تكون العملية بهذه السهولة، اذ كان يعتقد انهم ارسلوا لموت محقق. استمع حمزة، قائد مجموعة «15 شعبان» الى اذاعة صوت أميركا ومحطات بث اذاعي اخرى وضحك مع نفسه عندما سمع البعض يتحدثون عن وقوع محاولة انقلاب وان عددا من الجهات تبنت مسؤولية العملية، الا ان المجموعة آثرت الصمت لأنها كانت تريد ان يشك النظام في انها حدثت من داخله.
توصل صدام في نهاية الامر الى الحقيقة، فقد قال حمزة ان واحدا من افراد المجموعة قد ألقي عليه القبض في الأردن في قضية مختلفة تماما وسلم فيما بعد الى اجهزة الأمن العراقية واعترف ببعض التفاصيل تحت التعذيب. وبنهاية اغسطس (آب) 1998، أي بعد مرور حوالي 18 شهرا على محاولة الاغتيال، اعتقلت عناصر أمن النظام العراقي السابق «أبو ساجد» ونشرت تفاصيل بقية أعضاء المجموعة. كان انتقام النظام العراقي قاسيا، فقد اعتقل اشقاء شريف السبعة ووالدهم وقتلوا وابلغت والدتهم بأن تتسلم جثثهم من مشرحة في بغداد، كما اعدم والد «أبو صادق» وثلاثة من أشقائه وواجه «أبو ساجد» ووالده نفس المصير وهدمت قوات الأمن منازل هذه الاسر وصادرت ممتلكاتها. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي اغتالت مجموعة «أبو صادق» بعد تعقبه بمنفاه في ايران.
واعتقلت ايضا زوجة حمزة ووضعت مولودا وهي في السجن.
ويقول شريف بمرارة ان السلطات الجديدة في العراق لم توفر منازل جديدة للأسر التي طردت من منازلها كما لم يتلقوا أي تعويض من هذه السلطات. واضاف ايضا ان العملية تستحق الثمن الذي قدمه ورفاقه واسرهم. وقال انه ليس من السهل على أي شخص ان يضحي بأسرته وان لا احد يمكن ان يقدم على عملية مثل هذه الا اذا كانت من اجل قضية عظيمة. وأوضح ان أسرته كانت على استعداد لهذه التضحية مؤكدا انه ورث حس التضحية من أسرته من خلال تنشئته.
ويرى شريف ان التضحيات التي قدموها والدم الذي سال جعل الناس يطالبون بوضع نهاية لنظام الرئيس المخلوع صدام حسين، ويعتقد ان هذه التضحيات ستكون سببا في مطالبة الشعب مجلس الحكم الانتقالي بالسير في الطريق الصحيح. واضاف حمزة ان بوسعهم ان يطالبوا بإجراء انتخابات لأنهم قدموا هذه التضحيات ولاحظ بمرارة ان المعارضين المنفيين سابقا يشكلون غالبية في مجلس الحكم الآن. ولم يخف شريف فرحته عندما سمع بأنباء مقتل عدي وقصي في الموصل في يوليو (تموز) الماضي وقال انه كان يتمنى ان يكون هو الذي قتل عدي، واضاف معلقا انه بصرف النظر عن الشخص الذي قتل عدي، فانه (عدي) شخص شرير لم يكن يستحق الحياة.
المصدر وكالة انباء براثا